المداومة على مدح الله - تعالى - بالتسبيح و الحمد
أولاً: مدح الله سبحانه والثناء عليه تعالى:
1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ أحدٌ أحبّ إليهِ المدحُ مِنَ اللهِ - عز وجل - منْ أجْلِ ذلكَ مَدَحَ نفْسِهِ»[1]
ثانيًا: تسبيحه سبحانه وحمده له المنة والفضل:
2- عن أبي هريرةَ -رضى الله عنه- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «كلِمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان.. سبحانَ الله وبحمدِه، سبحانَ الله العظيم»[5]، وفي حديث سمرة بن جندب -رضى الله عنه-: «أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[6].
أ- معنى الخفَّة والثقل والمحبّة إلى الله تعالى: قوله «خفيفتان على اللسان» الخ، قال الطيبي: الخفة مستعارةٌ للسهولة، شبَّه سهولةَ جريان هذا الكلام على اللسان بما يخفّ على الحامل من بعض المحمولات فلا يشقّ عليه، فذكر المشبَّه وأراد المشبَّه به، وأما الثقل فعلى حقيقته؛ لأنَّ الأعمال تتجسَّم عند الميزان، والخفَّة والسهولة من الأمور النسبية، وفي الحديث حثٌّ على المواظبة على هذا الذكر، وتحريضٌ على ملازمته؛ لأنَّ جميع التكاليف شاقَّة على النفس وهذا سهْلٌ، ومع ذلك يثقُل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة، فلا ينبغي التفريط فيه.
وقوله «حبيبتان إلى الرحمن» تثنِيَة حبيبة، وهي المحبوبة، والمراد أن قائلَها محبوبٌ لله، ومحبَّة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم[7]، وخصَّ الرحمنَ من الأسماء الحسنى للتنبيه على سَعة رحمة الله، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل، ولما فيها من التنـزيه والتحميد والتعظيم، وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة[8]. قال الحافظ: مع أنها تُثقل الميزانَ كثقل الشاق من التكاليف، وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنّك ثقلُها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها؛ فلذلك خفَّت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها[9].
ب- معنى «سبحان الله» وفضلها: قال ابن حجر: قوله -أي الإمام البخاري رحمه الله-: «باب فضل التسبيح»، يعني قول سبحان الله، ومعناه تنـزيهُ الله عما لا يليق به من كل نقْص، فيلزم نفيُ الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاةُ النافلة، وأما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها، و«سبحان» اسمٌ منصوب على أنَّه واقع موقع المصدر لفعلٍ محذوف تقديره سبَّحت الله سبحانًا كسبحت الله تسبيحًا، ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا، وهو مضاف إلى المفعول أي سبَّحت الله، ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل أيْ نزَّه اللهُ نفسَه، والمشهور الأول، وقد جاء غير مضافٍ في الشعر كقوله:
سبحانَه ثم سبحانًا أنـزِّهُه[10].
قال: ويمكن أن يكون قوله «سبحان الله وبحمده» مختصرًا من الكلمات الأربع وهي: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[11]؛ لأن سبحان الله تنـزيهٌ له عما لا يليق بجلاله وتقديسٌ لصفاته من النقائص، فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله[12].
جـ- معنى «وبحمدِه» وفضلها: قال الحافظ: وقوله «وبحمدِه» صريحٌ في معنى «والحمد لله»؛ لأنّ الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد، ويستلزم ذلك معنى «الله أكبر»؛ لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من غيره شيءٌ من ذلك فلا يكون أحدٌ أكبرَ منه[13].
قوله «وبحمدِه» قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسًا بحمدي لَه من أجل توفيقه، وقيل عاطفةٌ والتقدير أسبِّح الله وأتلبّس بحمده، ويحتمل أن يكون الحمدُ مضافًا للفاعل، والمراد مَن الحمدُ لازمُه أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، ويحتمل أن تكون الباء متعلقةً بمحذوفٍ متقدِّم والتقدير وأُثنِي عليه بحمده، فيكون «سبحان الله» جملةً مستقلة (و)«وبحمده» جملة أخرى، وقال الخطّابِي في حديث «سبحانك اللهم ربنا وبحمدِك»[14]، أي بقوَّتِك التي هي نعمةٌ توجِب عليَّ حمدَك سبَّحتك لا بحولِي وبقوتي؛ كأنه يريدُ أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب[15].
أيهما أفضل.. التسبيحُ أم الحمد أم التهليل؟
الجواب: قال الحافظ: قال عياض قوله «حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»[16]مع قوله في التهليل «محيت عنه مائة سيئة» قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل، يعني لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة؛ لكن تقدم في التهليل «ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به»[17] فيحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل، وأنه بما زِيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات، ثم ما جعل مع ذلك من فضل عِتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا؛ لأنه قد جاء «من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضوًا منه من النار»[18]، فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعد حصر ما عدَّدَ منها خصوصًا مع زيادة مائة درجة، وما زاده عتق الرقاب الزيادة على الواحدة، ويؤيده الحديث الآخر «أفضل الذكر التهليل»[19]، وأنه أفضل ما قاله والنبيُّون من قبله، وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وقيل إنه «اسم الله الأعظم»[20].
ومع ذلك كلِّه فلا يلزم أن يكون التسبيح أفضلَ من التهليل؛ لأن التهليل صريحٌ في التوحيد والتسبيح متضمّن له، ولأن نفي الآلهة في قول «لا إله» نفيٌ لِمُضمّنها من فعل الخلق والرزق والإثابة والعقوبة، وقول «إلا الله» إثباتٌ لذلك، ويلزم منه نفي ما يضادُّه ويخالفه من النقائص، فمنطوق «سبحان الله» تنـزيهٌ ومفهومُه توحيد، ومنطوق «لا إله إلا الله» توحيدٌ ومفهومه تنـزيه، يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لأن التوحيد أصلٌ والتنـزيه ينشأ عنه والله أعلم، وقد جمع القرطبي بما حاصلُه أنَّ هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبُّه إلى الله، فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها؛ بدليل حديث سمرة عند مسلم «أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يضرُّك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[21]، ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى؛ لأن حاصلها التعظيم والتنـزيه، ومن نزَّهه فقد عظمّه، ومن عظمه فقد نزهه، انتهى. وقال النوويُّ: هذا الإطلاق في الأفضلية محمولٌ على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر، وقال البيضاويّ: الظاهر أن المراد من الكلام كلامُ البشر؛ فإنَّ للثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجَد فيه، ولا يفضُل ما ليس فيه على ما هو فيه. قلت: ويحتمل أن يجمع بأن تكون مِن مضمرة في قوله «أفضل الذكر لا إله إلا الله»[22]، وفي قوله «أحبُّ الكلام» بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى؛ لكن يظهر مع ذلك تفضيل «لا إله إلا الله»؛ لأنها ذكِرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة، وذكرت مع أخواتها بالأحبيِّة، فحصل لها التفضيل تنصيصًا وانضمامًا والله أعلم[23].
وقال: وإذا قال «الحمد لله» فهي كلمة الشكر التي لم يَشكر اللهَ عبدٌ حتى يقولها، وعن ابن عباس قال «من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين»[24] تكميلٌ، وعن أبي سعيدٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: «قال موسى: يا ربِّ علمني شيئًا أذكرك به، قال: قل لا إله إلا الله»[25] الحديث، وفيه «لو أن السماوات السبع وعامرَهن والأرضين السبع جعلن في كفّة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله»، فيؤخَذ منه أن الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله، ولا يعارِضُه حديثُ أبي مالك الأشعري رفعه «والحمد لله تملأ الميزان»[26]، فإن الملء يدل على المساواة والرجحانَ صريحٌ في الزيادة، فيكون أولى، ومعنى ملء الميزان أن ذاكرها يمتلئ ميزانُه ثوابًا، وذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصرَّ على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين في ذلك، ويشهد له قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21][27].
د- أحب الكلام إلى الله:
3- وعن أبي ذر -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله»؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: «إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده»[28].
قال النووي: هذا محمولٌ على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقتٍ أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل، والله أعلم[29].
ه- أحب إلى الله من جبل ذهبٍ ينفقه في سبيل الله - عز وجل -:
4- وعن أبي أمامة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «من هاله الليل أن يكابِده، أو بَخِل بالمال أن يُنفِقه، أو جبُن عن العدوِّ أن يقاتله، فليكثر من سبحان الله وبحمده؛ فإنها أحبُّ إلى الله من جبل ذهبٍ ينفقه في سبيل الله - عز وجل -»[30].
قال المناوي في شرحه: «من ضن بالمال أن ينفقه» في وجوه البر، «وبالليل أن يكابده؛ فعليه بسبحان الله وبحمده»؛ أي فليلزم قول «سبحان الله وبحمدِه»، قال في الفردوس: يقال ضنّ بالشيء إذا بخل به فهو ضنين، وهذا علق مضنة أي هو نفيس يضن به، والمكابدة تحمل الضيق لصلاة الليل والشدة في طلب المعيشة[31].
و- شيء لا يزال له عند الله يُذكَر به:
5- وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «الذين يذكرون من جلال الله؛ مِن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله، يتعاطفن حول العرش لهنّ دوِيٌّ كدَوِيِّ النحل يذكرن بصاحبِهن؛ ألا يحبُّ أحدكم أن لا يزال له عند الله شيءٌ يُذْكَر به»[32].
«يتعاطفن»، وفي رواية ابن ماجه «ينعطفن حول العرش»؛ أي يدرن، والدوي الصوت الخفي. قوله «يذكرن بصاحبهن»، وفي رواية ابن ماجه «تذكره بصاحبها»؛ أي تذكر ربه[33] بحال صاحبها؛ فكأنها شواهد عليه، ثم بيّن - صلى الله عليه وسلم- بالتصريح «أما يحب أحدكم»؟ استفهام إنكار؛ فكأنه قال إنه مع هذه الفضيلة كيف ينسى أحدكم ويغفل عن هذا الذكر[34].
ز- ما اصطفاه الله تعالى لملائكته:
6- عن أبي ذر -رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عاده أو أن أبا ذر عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: بأبي أنت يا رسول الله! أي الكلام أحب إلى الله - عز وجل -؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته؛ سبحان ربي وبحمده.. سبحان ربي وبحمده»[35].
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/57305/#ixzz3TAFn6XJx
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق